الثلاثاء، 24 مايو 2011

Unknown

أفسدك قومك !


أيها المجرم الفاتك الذي يسلب الخزائن نفائسها، والأجسام أرواحها ..
لست أحمل عليك من التعب ما يحتمله ذنبك ، ولا أنظر إليك بالعين التي نظر بها إليك القاضي الذي قسا عليك في حكمه !
لأني أعتقد أن لك شركاء في جريمتك ، فلابد لي من أن أنصفك ، وإن كنت لا أستطيع أن أنفعك ..

شريكك في الجريمة أبوك !
لأنه لم يتعهدك بالتربية في صغرك ، ولم يحل بينك وبين مخالطة المجرمين ، بل كثيرآ ما كان يصفق لك إذا رآى أنك قد تمكنت من اختلاس درهم من جيب أخيك ، أو اختطاف لقمة من يده ..
فهو الذي غرس الجريمة في نفسك وتعهدها بالسقيا حتى أينعت ونمت وأثمرت لك هذا الحبل الذي أنت معلق به اليوم ..
وها هو ذا الآن يذرف عليك العبرات ، ويصعد الزفرات !
ولو عرف أنها جريمته وإنها غرس يمينه لضحك مسرورآ بغفلة الشرائع عنه ، وسجد لله شكرآ على أن لم يكن حبلك في عنقه وأوصادك في يده ..

شريكك في الجريمة هذا المجتمع الإنساني الفاسد الذي أغراك بها ، ومهد لك السبيل إليها ..
فقد كان يسيمك شجاعآ إذا قتلت ، وذكنآ وفطنآ إذا سرقت ، وعالمآ إذا احتلت ، وعاقلآ إذا خدعت ..
وكان يهابك هيبته للفاتحين ، ويجلًك إجلاله للفاضلين ، وكثيرآ ما كنت تحب أن ترى وجهك في مرآته وجهآ أبيض ناصعآ ، فتتمنى أن لو دام لك هذا الجمال ..
ولوأنه كان يؤثر نصحك ويصدقك الحديث عن نفسك ، لمثل لك جريمتك بصورتها الشوهاء ، وهنالك ربما وددت لو طواك بطن الأرض عنها وحالت المنية بينك وبينها ..

شريكك في الجريمة حكومتك !
لأنها كانت تعلم أن الجريمة هي الحلقة الأخيرة من سلسلة كثيرة الحلقات ، وكانت تراك تمسك بها حلقة وتعلم ما سينتهي إليه أمرك فلا تضرب على يدك ، ولا تعترض سبيلك ، ولو أنها فعلت لما اجترمت ، ولا وصلت إلى ما إليه وصلت ..
كانت حكومتك تستطيع أن تعلمك وتهذب نفسك ، وأن تغلق بين يديك أبواب الحانات والمواخير ، وأن تحول بينك وبين مخالطة الأشرار بإبعادهم عنك وتشريدهم في مجاهل الأرض ومخارمها ، وأن تعينك على قتيلك قبل أن يبلغ حقدك عليه مبلغه من نفسك ، وأن تحسن تأديبك في الصغيرة قبل أن تصل غلى الكبيرة ..
ولكنها أغفلت أمرك فنامت عنك نومآ طويلآ ، حتى إذا فعلت فعلتك استيقظت على صوت صراخ المقتول ، وشمرت عن ساعدها لتمثل منظرآ من مناظر الشجاعة الكاذبة ، فاستصرخت جندها واستنصرت قوتها وأعدت جلادها ، وكان كل ما فعلت أنها أعدمتك حياتك ..

هؤلاء شركائك في الجريمة !
وأقسم لو كنت قاضيآ لأعطيتك من العقوبة على قدر سهمك في الجريمة ، ولجعلت تلك الجزوع قسمة بينك وبين شركائك ..
ولكني لا أستطيع أن أنفعك !

فيا أيها القتيل المظلوم
; رحمة الله عليك ..

 
                         مما قرأت من كتاب " النظرات " للمنفلوطي

Unknown

Unknown -

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته Dr/ Asmaa kamal صاحبة المدونة أتمنى ان المواضيع تفيدكم وتنول إعجابكم ولو حد عنده أي استفسار أو سؤال بس يتواصل معايا عن طريق جروب الفيس ومتنسوش تعملوا like و share و subscibe للقناة وأتمنالكم كل الخير والتوفيق