*الإعداد الجيد لما قبل الجلوس على مائده المفاوضات ..
- (توصلت إحدى الدارسات التي اهتمت بمقارنة مجموعتين من المفاوضين الناجحين والعاديين ـ وصلت إلى 102 عملية تفاوضية ـ من خلال ملاحظة سلوكهم أثناء الإعداد والتخطيط في أنواع مختلفة من التفاوض إلى أن:
ذكرنا في الجزء الأول أهميه التفاوض وكيف أن له دور كبير في حياتنا .. ليس فقط في حل المشاكل بل أيضآ الوصول الى حل سلمي يرضي الطرفين .. وسنبدأ بالحديث عن الإعداد الجيد لما قبل الجلوس على مائده المفاوضات
- يتعين على المفاوض الماهر أن يعنى عناية فائقة بعملية الإعداد للتفاوض ، لأنها حاكمة في تحديد مدى النجاح الممكن تحقيقه في جلسات التفاوض الفعلية ..
(المفاوض الذي لا يُعِدُ نفسه جيدًا للتفاوض، سيكون في موقع رد الفعل بدلًا من أن يدير الأحداث ويقودها، أما المفاوض الذي أَعَّدَ جيدًا يأخذ زمام المبادرة في يده ويزداد قوة بشكل مطرد، وهذا يضاف إلى رصيد قوته التفاوضية وثقته بنفسه .. )
- وهنا لابد من لفت الانتباه إلى أن الإعداد لا يعني أن تستهلك وقتًا في القيام ببروفات وتدريبات، أو أن تنتهج أسلوب الهجوم أو أسلوبًا عدوانيًا تجاه موقف المفاوض الآخر، ولكن الأمر المطلوب هو الاستعداد بالمعلومات والأدوات بشكل بناء وفعال ..
ولعل إدراك أهم الخصائص المميزة لعملية الإعداد ومراعاتها في إدارة التفاوض هي أحد صور تلك العناية الواجبة ، وفيما يلي نورد قائمة بأهم هذه المفاتيح وهي :
أولآ: تحديد الهدف التفاوضي :
- لا تتم أي عملية تفاوض بدون هدف أساسي تسعى إلى تحقيقه أو الوصول إليه وتوضع من أجله الخطط والسياسيات .. فبناء على الهدف التفاوضي يتم قياس مدى تقدم الجهود التفاوضية في جلسات التفاوض وتعمل الحسابات الدقيقة، وتجري التحليلات العميقة لكل خطوة ..
(إن الوقت الذي تخصصه لإعداد هدفك من التفاوض ، سوف يعود عليك بالكثير من الفوائد حين تجلس إلى مائدة المفاوضات بالفعل من أجل التوصل إلى اتفاق). جورج فولر ..
- (توصلت إحدى الدارسات التي اهتمت بمقارنة مجموعتين من المفاوضين الناجحين والعاديين ـ وصلت إلى 102 عملية تفاوضية ـ من خلال ملاحظة سلوكهم أثناء الإعداد والتخطيط في أنواع مختلفة من التفاوض إلى أن:
المفاوض العادى يضع عادة هدفًا واحدًا فقط للتفاوض ، بينما المفاوض الناجح يحدد ثلاث أهداف ، والتى تشتمل على الهدف المثالي ، والهدف الواقعي ، والهدف الاحتياطى أو الأخير الذي يمثل الحد الأدني لما هو مرغوب الوصول إليه ..
ويسعي المفاوض الناجح أولًا لتحقيق هدفه المثالي ، فإذا لم يتحقق، فإنه يسعى إلى تحقيق هدفه الواقعي ، وإذا لم يستطيع تحقيقه ، فإنه أخيرًا يلجأ للهدف الأخير الذي يمثل الحد الأدنى ، وإذا لم ينجح في تحقيق الأخير فإنه يدرك إنه لا فائدة من استمرار التفاوض ..
*الدعائم الخمس للهدف التفاوضي الناجح :
- وحتى تؤتي هذه الأهداف ثمارها، فلابد من أن ترتكز على دعائم تقويها وتمكنها من التأثير بفاعلية على مسار التفاوض، ومن تلك الدعائم ما يلي:
1. الوضوح:
- بمعنى وضوح أهداف التفاوض للأطراف المشاركة فيه والاتفاق عليها بشكل قطعيٍّ لا يحتمل لبسًا أوغموضًا فيما بينهم .. ولا نعني بالوضوح فهم الأهداف بصورة إجمالية ، بل لابد أيضًا من اقتناع المفاوض بالأهداف فلا معنى لتحديد أهداف لا يقتنع بها القائم بالتفاوض ، لأنه لن يُخلِص في السعي لتحقيقيها عن وعي أو عن غير وعي، ولعل المشاركة في تحديدها من البداية أحد أهم وسائل ضمان الاقتناع بما يتحدد من أهداف ..
2. المرونة:
- بحيث لا يصبح التحديد الجامد للهدف مُعوِّقًا لنجاح المفاوضات، والمقصود بالمرونة هو أن يُحدَّد الهدف بأسلوب يتيح إطارًا يمكن للمفاوض التحرك فيه مع المحافظة على الهدف العام .. كما تساهم مرونة الأهداف في زيادة القابلية لمراجعتها في ضوء سير المفاوضات وطروء المتغيرات المختلفة ، وظهور المعلومات الجديدة قد تحتاج إلى مراجعة ما سبق تحديده من أهداف ..
3. الواقعية:
- فأي تحديد غير واقعي للأهداف يعني تضاؤل فرص تحققها، وهو يؤدي إلى فشل المفاوضات أولًا ومن ثم إحباط المفاوضين، كما يؤدي ثانيًا إلى إضعاف المركز التفاوضي مستقبلًا، إذا كان إتمام المفاوضات بنجاح أمرًا حيويًّا للمفاوض ..
4. القابلية للقياس:
- وتلك الدعامة هي التي يمكن من خلالها قياس التقدم المحقق صوب الهدف، وبالتالي الاستمرار في التفاوض بفاعلية، أو التوقف عنه، وكذلك لا يمكن تقويم أداء المفاوضين إلا من خلال معايير قياسية ..
5. السرية:
- وهذا أمر واجب في أي تفاوض بمعنى أنه لا يجب إعلام الطرف الآخر بكل ما تسعى إليه أو تأمل في تحقيقه ، سواءً للاستفادة من إمكانية تحقيق أكثر مما كنت تأمل في تحقيقه ، أو لإخفاء حقيقة تنازلك عن أهدافك المبدئية عن الخصم إذا اضطررت للتنازل ، وكان الكشف عن هذا التنازل يُضعِف مركزك، أو لإتاحة المرونة لك في إدارة المفاوضات دون معرفة الطرف الآخر لما تستهدف تحقيقه ..
- وأخيرًا (أيًّا كان نوع الصراع الذي تخطط لتسويته من خلال التفاوض، فإن هناك هدفًا رئيسيًّا واحدًا وهو إيجاد اتفاق بشأن ما كان موضع صراع في السابق، ولذلك فإن عملية التفاوض قد تبدأ بالتوتر والقلق أو الخلاف بشأن المصالح والقضايا، غير أن المفاوضات الناجحة تنتهي بالتوصل لحل نهائيٍّ أو حل وسط مقبول لدى الطرفين المتفاوضين) ..
ثانيا: المعلومات التفاوضية :
- يستند الإعداد للتفاوض إلى توافر البيانات والمعلومات عن جميع عناصر الموقف التفاوضي ، وتتميز تلك البيانات والمعلومات بأن بعضها يتعلق بخبرات أو أحداث ماضية، في حين يتعلق بعضها الآخر بمتغيرات قائمة في الوقت الحاضر، بينما يتعلق جزء ثالث بأمور مستقبلية ، ولعل القدرة على تجميع وتحليل الأنواع الثلاث من البيانات والاستفادة منها هي أحد المحددات الرئيسية لفاعلية الإعداد ، وبالتالي لاحتمالات نجاح المفاوضات ..
ومن ثم يمكن التمييز بين وجهين مختلفين ومرتبطين في نفس الوقت لعميلة الإعداد، الوجه الأول هو التنبؤ بالمتغيرات ، والوجه الثاني هو الاستعداد لمواجهة هذه المتغيرات أو السعي للتأثير في مسارها ، وبالتالي في تأثيرها على المفاوضات ..
- ويجب أن يملك فريق التفاوض المعلومات التي تتيح له الإجابة على الأسئلة الآتية :
*من نحن ؟
*من خصمنا ؟
*ماذا نريد ؟
*كيف نستطيع تحقيق ما نريد ؟
*هل يمكن تحقيق ما نريده دفعة واحدة ؟
*أم يتعين أن نحققه على دفعات وتجزئته للوصول إليه على مراحل ؟
*وإذا كان ذلك يسير ،فما هي تلك الأهداف المرحلية ،وكيفية تحقيقها ؟
*ما الذي نحتاجه من دعم وأدوات ووسائل وأفراد للوصول إلى تلك الأهداف ؟
وبناء على هذه المعلومات يتم وضع برنامج التفاوض محدد المهام ومحدد الأهداف ، وتتاح له الإمكانيات وتوفر له الموارد ..
ثالثآ: مرحلة التحليل :
وهي عملية جمع البيانات ، وتحديد الأهداف ، وعليه أن يستعد في هذه المرحلة بإتباع خطواتها المهمة ..
1- الإعداد الجيد عن طريق كتابة نقاط من تحليل موقف التفاوض ، وتحليل مصالح الطرف الآخر الذي سيدخل معه في عملية التفاوض ..
2- التعلم والاجتماع بأطراف النزاع واحترام آراء الآخرين ، والأخذ بها وتحليلها بموضوعية ..
3- مراجعة الذات عدة مرات ، وإعادة مناقشة الطرف الآخر اذا ما ثبت خطأ هذه الافتراضات ..
4- التعرف على آليات الطرف الآخر في عملية التفاوض ..
رابعآ: مرحلة التخطيط :
- طريقة التخطيط والإستعداد للتفاوض :
1. الجزء المركزي: وهي المرحلة التي يتفق مديري الشركة على أهميتها ، وأهمية القيمة التي ستُضفيها على المفاوضات مع العميل، ويتم على إثرها إنتقاء المفاوض المناسب وفريق عمله ذو المهارات المناسبة لإدارة التفاوض مع العميل للوصول إلى تفاوض ناجح ..
2. الطبقة الداخلية: وهي المرحلة التي يتم فيها الإعداد للمفاوضات وتحديد الأهداف ودراسة حالة العميل ، ودراسة نقاط القوة والضعف لدى الطرفين، والتخطيط بشكل إحتياطي وإحترازي لما يمكن أن يكون ..
3. الطبقة الخارجية: وهي المرحلة النهائية والتي يتم فيها الإجتماع مع العميل، وللحصول على أفضل النتائج يجب أن يُدار اللقاء بالتسلسل التالي: ( نقاش، إقتراح، صفقة، إتفاق ) ..
- إذآ فالتخطيط السليم هو الأساس الضروري لأي إنجاز تنفيذيٍّ يمكن تحقيقه، إلا أننا كثيرًا ما نتجاهل هذا المبدأ البديهي لضمان فرص أفضل للنجاح ، وبناء على التحليل يقوم المفاوض بإعداد خطة التفاوض وتشتمل الخطة على:
- تحديد المصالح الأساسية للمفاوض ..
- إعداد خطة التعامل مع المفاوضين وأساليبهم المختلفة في التفاوض ..
- إعداد اختيارات إضافية يمكن مناقشتها ..
- إعداد تصور بالمطالب المرنة ..
- إعداد تصور للبدائل الأخرى المتاحة للمفاوض ..
خامسآ: الاستمرارية :
- الإعداد للتفاوض ليس نشاطًا سابقًا للتفاوض الفعلي فقط ، إنما هو عملية مستمرة قبل التفاوض وأثناء التفاوض ، للمراجعة والتعديل والتصحيح وإعادة ترتيب الأوراق والقضايا وإعادة تقويم البدائل واختيار المسارات في ضوء ما يكشف عنه التفاوض الفعلي ، أو ما يستجد توافره من معلومات أو ما يطرأ على الموقف من متغيرات ، سواءً كانت هذه المتغيرات من قبيل الفرص أو من قبيل العقبات والتهديدات ..
*لذلك عزيزي القارئ إذا أردت أن تتفاوض بشكل ناجح وفعال، فعليك أن تعطي لنفسك بعض الوقت للإعداد لهذا التفاوض وأن تحدد ما هو الهدف من التفاوض، وسأضمن لك نجاحك فيه بإذن الله ..
سنتحدث فيما بعد عن مصادر القوة التفاوضية و أهميتها في عملية التفاوض ..
"يتبع ...."