وقف في منتصف طريقه إلى كلية التجارة ، فهو طالبآ يدرس في المرحلة الرابعة متفوق في دراسته ، يحلم أن يصبح مديرآ لبنك في يوم ما .. لا تتحاملوا خطأ !! فهو لا يسعى وراء النقود أو النفوذ بل هو يرى أن المسلم لابد أن يعتلي أعلى المناصب ، ويتعامل بما يرضي الله ، ويصبح قدوة حسنة يقتدي به غيره ..
انتبه على صوت بوق سيارة جاءت مسرعة من خلفه ، فتنحى قليلآ إلى جانب الطريق .. يستطرد ما قد كان يجول في خاطره منذ قليل .. فما أقل تلك اللحظات التي يحياها الإنسان بالأمل ، ويرى مستقبله زاهرآ حافلآ ، بما قد خطط له ..
فقرر أن لا يضيع على نفسه هذه اللحظات قائلآ : " ما أجمل هذا الشعور !! "
"متى يأتي اليوم الذي أكون فيه جالسآ على مكتب كبير تحفه الديكورات والرسوم الهندسية والتصميم البارع !! أمامي أوراق ومستندات يجب قرائتها جيدآ لاعتماد توقيعي عليها !! فأنا المدير التنفيذي لإحدى البنوك الكبيرة في هذه البلدة ، ومن أفضل البنوك التي تجري تعاملاتها بالطابع الإسلامي في طريقة الربح والخسارة ، وما إلى ذلك من شئون تجارية ..
أغمض عينيه ، ثم هم بأخذ زفير شعر بانتعاشه في جميع جسده .. وارتسمت على وجه ابتسامة !!
وما زال كذلك إلى أن فاجأه اصطدام شخص به قائلآ : " ألا ترى !!!! " ، فرد مسرعآ " آسف يا فندم !! "
وأكمل سيره ... ثم وقف قليلآ !! حينها بدأت الأفكار السلبية ترى سبيلها داخله ..
"ماذا لو لم أجد منصبآ شاغرآ أشغله ؟! " .. "ماذا لو لم أكن مؤهلآ كفاية لأحتفظ بالمنصب الذي أريده ؟! " .. "على ماذا سينتقونني من بين كافة هؤلاء المتقدمين للوظيفة ؟! " ..
وهنا تذكر ما حدث له صباح اليوم .. فبينما هو يستعد للنهوض من فراشه ، إذ فاجأه اتصال من أحد أصدقائه وهو يبكي بكاءآ مريرآ !! سأله عن السبب ، فذكر أنه ذهب لوالد فتاة يريد خطبتها ، فبينما هما يتحدثان عن متطلبات الزواج ، واستفسار أبيها عن عدة أمور ..
إذ وقف الأب غاضبآ !! " وكيف تريدني أن أسلم ابنتي لشخص عاطل مثلك ؟! "
أسرعت قائلآ " وافق أبي أن أشتغل معه في دكانته ومكسبها معقول ، ومعي من النقود ما يكفي لشراء بيت ونفقات الزواج ، لكن ليس بالمواصفات التي تريدها .. فأنا شاب في بداية الطريق ، وما تطلبه لا أقدر عليه ولو حتى بعد عشر سنوات !!
- " إذآ أنت لست جديرآ بها " ..
تطايرت من فمي هذه الكلمات قبل أن يكمل عبارته .. " ولكني أحبها !! "
- " وهل حبك شيكآ أستطيع صرفه من أحد البنوك ؟! " .. " ليس عندي بنات للزواج !! "
خرجت من عنده والحزن يغمر قلبي ، ودمعتي لا تفارق عيني ..
ماذا أفعل الآن ؟!! سوف تضيع مني الفتاة التي أحببتها ، وانتظرت طويلآ حتى أتقدم لخطبتها ، وهأنذا واقفآ على أعتاب بابها .. لا أستطيع النفاذ خلاله !!
صمتت قليلآ ثم قلت له بهدوء .. " تمالك نفسك فكل مشكلة ولديها حل "
- " كيف ووالدها لا يرضى إلا بما يفوق قدراتي عشرات المرات ؟!! "
- " ماذا حدث ؟؟ ألست من قلت أنك سترتاد منصب في شركة من شركات الأسمدة ؟! "
- " شركة !!!! لقد تبددت أحلامي ، فقد اعتلى المنصب شخصآ لذوي أحد المسؤولين هناك ، ولم أجد دونه منصبآ .. ثم تزايدت حدة نبرته مستطردآ " أما تعيين الحكومة فما زلت أنتظره منذ 3 سنوات ، ولا أسمع له خبرآ !! ألا ترى نسبة الشباب التي تتزايد ولا تجد ما تبدأ به حياتها ؟! ألم تسمع عن الأشخاص الذين يتجهون للسرقة يرون أنها الحل الوحيد لسد متطلباتهم اليومية ؟!
هنا صمت صديقنا لحظات ، يفرك في عينيه ، حتى نهض من سريره قائلآ " حسنآ .. هون عليك يا صديقي ، فما تراه شرآ هو خيرآ بإذن الله .. سأرتدي ثيابي الآن وأتوجه إلى الجامعة ، ثم سأذهب إليك بعدها .. فانتظرني !! "
- أجاب صديقه وقد هدأ قليلآ " نعم .. سأنتظرك .. إلى اللقاء "
- " مرحبآ يا صلاح !! " كان هذا ما قد سمعه من صديق له ..
- " ماذا !!! ( نظر حوله فإذا به داخل حرم الجامعة ) .... آه مرحبآ "
- " ماذا هناك ؟! أراك شارد الذهن !! "
- " لا شئ .. هل بدأت محاضرة الإحصاء ؟! "
- " ليس بعد !! "
- " حسنآ .. أراك هناك " .. ثم أسرع الخطا !!
توجه إلى صنبور الماء ، ينضح وجهه بالماء مرارآ وتكرارآ ، مرددآ " لا ... سأتفوق وأشتغل وأعتلي أعلى المناصب حتى أصبح ما أريد .. سأبذل كل ما بوسعي لأنال ما أتمناه متوكلآ على ربي ، داعيآ إياه في كل حين .. لست أقل كفاءة من غيري ، كل ما يتطلبه الأمر قليلآ من الاجتهاد والصبر والمثابرة .. سأعيش لأحقق حلمي .. وسأصنع أنا الأحداث ، لست تاركة إياها صناعتي .. ولن أسمح لأحدآ أن يثبط من همتي وعزيمتي .. وسأجعل من عثراتي سلمآ يصل بي نحو النجاح .. .. ..
ما زال يخاطب نفسه حتى تذكر موعد المحاضرة ، فانطلق مسرعآ .. ليرى أنها قد ألغيت !! فقد تأخر الدكتور عن موعده بسبب حادث مفزع وقع أثناء قيادته السيارة .. فقد هم أحدهم بشنق نفسه منتحرآ !! لأنه لا يوجد لديه ما يكفي لسد نفقات زواجه !!!!!!
انتهى .....
"بقلمي "